الأبعاد القانونية

للانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب

من قطاع غزة ومستوطنات في شمال الضفة الغربية

N

   تمهيد   ..................................................................................................   مجد الوجيه 

تقديم     ...................................................................................................    د. خالد شعبان

ورقة العمل المقدمة :

الأبعاد القانونية للإنسحاب الاسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة

ومستوطنات في شمال الضفة الغربية  ................................................................   أ. راجي الصوراني

المناقشات والمداخلات

الردود   

الملحق

M

 باسمي وباسم إدارة الباحثين وموظفي مركز التخطيط الفلسطيني أرحب بالضيوف الكرام الذين لبوا دعوتنا إلى ثاني ورشات العمل التي بدأ مركز التخطيط الفلسطيني في إقامتها، والهدف منها التقييم والوصول إلى استشراف مستقبلي للآثار المترتبة على الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة وشمال الضفة.

لا ريب أن الجميع يدرك أهمية ودقة المرحلة التي نمر بها، فبعد أن استُنزف الشعب الفلسطيني وقيادته لمدة تصل إلى ثلاثة عشر عاماً في مفاوضات مضنية إثر اتفاقات أوسلو للوصول إلى اتفاق سلام نهائي يضمن حقوقنا العادلة والمشروعة، وإقامة دولتنا المستقلة، تأتي خطوة الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب في 15/9/2005 لتضعنا أمام وقائع مستجدة قانونية وسياسية واقتصادية غير مسبوقة وإن كانت متوقعة منذ فترة ليست بالقصيرة.

وبدون الخوض طويلاً في تفصيل الأسباب والدوافع الإسرائيلية لهذه الخطوة فإن هدفها الاستراتيجي واضح وهو يكمن في إشاعة جو من الغموض وعدم الاستقرار حول الأوضاع القانونية للمناطق التي انسحبت منها إسرائيل وتركتها أمام واقع يثير التساؤلات، ويرسخ حالة من الازدواجية القانونية والشرعية أمام العالم.

فعلى الرغم من أن الانسحاب بدا وكأنه إنهاءاً للاحتلال الإسرائيلي وبدت جرأة إسرائيل في إنجازه مدعاة للإعجاب والتقدير في نظر العالم، إلا أنه على أرض الواقع وأمام الفلسطينيين، استمر الاحتلال بنمط إسرائيلي مبتكر وجديد وبشكل يوطد دعائم الاحتلال في شكله التقليدي السابق من حيث السيطرة على الحدود والجو والبحر، وبالتالي التحكم في جميع الموارد الفلسطينية البشرية والبنيوية والاقتصادية، ليبقى مفهوم الانسحاب مقتصراً على إفراغ العنصر البشري اليهودي من المستوطنات في قطاع غزة، وأربع مستوطنات صغيرة في شمال الضفة الغربية.

لذلك فإن توثيق الحالة ووضع رؤية تحليلية لها سيكون هدفاً أولياً في هذه الورشة، بينما سيتركز الهدف الثاني والأهم على استنباط الحلول وسبل المواجهة القانونية في أدق تفاصيلها، إذا أمكن، لوضع نتائج وتوصيات هذه الورشة بين يدي أصحاب القرار والباحثين المختصين وهو الهدف الرئيس من ورشات العمل المقامة في المركز.

مرة ثانية أرحب بالضيوف الكرام متحدثين ومحاورين، وأنقل الكلمة للدكتور خالد شعبان مدير دائرة الشؤون الإسرائيلية في مركز التخطيط الفلسطيني.

 مجد الوجيه

 ق.أ مدير عام مركز التخطيط الفلسطيني

 

تقديم

د. خالد شعبان (*)

بسم الله الرحمن الرحيم

أرحب بكم ثانية باسم مركز التخطيط الفلسطيني وأؤكد على أن ورشة العمل هذه تتناول وضع ومستقبل الأراضي التي انسحبت منها اسرائيل تحت مسمى فك الارتباط الإسرائيلي أحادي الجانب وسنحاول من خلالها الإجابة عن بعض التساؤلات المطروحة مثل:

1-      أي المفاهيم والمصطلحات تصلح قانونياً للتعبير عن رحيل المحتلين سواءً أكانوا مستوطنين أو عسكريين؟ هل هو فك ارتباط، أو انسحاب، أم إعادة انتشار، أم مصطلح آخر؟

2-      ما هو الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية التي تم إخلاؤها؟

3-      ما هي حدود السيادة الممنوحة للفلسطينيين في قطاع غزة، وهل القطاع ما زال محتلاً؟ وكيف ينظر القانون الدولي والقانوني الدولي الإنساني لوضعية القطاع حالياً؟ وهل اختلف الوضع القانوني لكل من الضفة والقطاع بعد الانسحاب؟

4-      كيف سيتعامل الفلسطينيون قانونياً مع الأحداث التي جرت بعد ذلك، مثل الهجمات الإسرائيلية على غزة وإغلاق المعابر؟

للإجابة على هذه الأسئلة أعطي الكلمة للأستاذ راجي الصوراني الذي سوف يتناول الأبعاد القانونية  للإنسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، تتبعه حلقة حوار وردود الأستاذ الصوراني على الأسئلة المطروحة.

 

الأبعاد القانونية

 للانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب

من قطاع غزة ومستوطنات في شمال الضفة الغربية

 

أ. راجي الصوراني (*)

بداية، لقد نبهنا في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في أكتوبر 1994، ثم في الورقة التي أصدرها المركز في عام 2004 (1)، إلى مخاطر جمة تكتنف العملية التفاوضية، ومنذ إعادة الانتشار عملياً وحتى الآن فإن ما حدث بالضبط كان تأكيد لذلك، وأريد فقط التذكير، فعندما وقعت اتفاقيات أوسلو في 13 سبتمبر 1993، قلنا إن الاحتلال سوف يبقى بشكليه المادي والقانوني وسوف يستمر طوال المرحلة الانتقالية وبحد أدنى حتى 4/5/99 وهو موعد انهاء المرحلة الانتقالية، ونبهنا بأنه يجب أن نكون واعين بأن اتفاقية جنيف الرابعة يجب أن تستمر لأنها المنظم للعلاقة، من وجهة نظر القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، بين شعب يرزح تحت الاحتلال وبين دولة تمارس هذا الاحتلال.

في ذلك الحين، (عام 1993) لم يرغب أحد في سماع هذا الأمر تقريباً وأطلق على من تبنى وجهة النظر هذه وصف "أحباء الاحتلال"، وقد أدرك البعض، متأخراً، في منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1997 بصورة لا تقبل الشك، أن ما تريد إسرائيل خلقه في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو نوع من الأبارتهايد، وحينها بدأ التحرك على صعيد الأمم المتحدة، وانتهى بإصدار أربع قرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة، دفعت جميعها باتجاه دعوة الأطراف الأخرى الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة للاجتماع والنظر في تقرير حول ممارسات إسرائيل العنصرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم يلبث أن نتج عن ذلك الاجتماع عقد مؤتمر في 15/7/1999 ضم 186 دولة، لكنه فض بعد ربع ساعة من انعقاده نتيجة ضغط أمريكي مباشر، وخلص إلى بيان من 7 أسطر بكلمات بسيطة تعتبر "أن انتخاب يهود براك يشكل فرصة رائعة للسلام بين الشعبين"، وعلى أساس ذلك يجب طوي القرارات، وهذا ما تم فعلاً حيث علق المؤتمر.

ومنذ أن تحدث شارون في أبريل 2004 عن الانفصال عن غزة، وفي سبيل الوصول إلى فهم النوايا الإسرائيلية، قمنا في المركز برصد مجموعة الأوراق والمراسلات بين دوف فايسغلاس مستشار شارون وكونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، والمراسلات المتبادلة بين شارون وبوش، وعشرات من الوثائق الأخرى ذات العلاقة، وأشبعناها بحثاً وتمحيصاً وتحليلاً، وخلصنا إلى تصور الوضع المتوقع حدوثه عندما يعيد الجيش الإسرائيلي انتشاره داخل قطاع غزة، وأن إسرائيل سوف تظل تسيطر على بحر، أجواء، وحدود قطاع غزة، وعلى معبر بيت حانون، وتقطع كل صلة للفلسطينيين على المستوى السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والانساني مع الضفة الغربية والقدس. وستسمح فقط لأربع شرائح من الفلسطينيين بالتنقل وهم، "الوزراء، مسؤولي أجهزة الأمن، أعضاء المجلس التشريعي، بعض رجال الأعمال"، أما الشرائح الأخرى كالمنظمات الدولية (الوكالة، الصليب الأحمر، الصحفيين الإسرائيليين، وممثلي البعثات الدبلوماسية لدى السلطة) فستمنح لهم أذونات خاصة. وبالنسبة للمطار فإن إسرائيل سترفض وبصورة تامة تشغيله، أما الميناء، ففي أفضل الأحوال لن يكون هناك ميناء بل رصيف لنقل البضائع التي ستصل أساساً إلى منطقة بورسعيد في مصر، وسيبقى معبر رفح تحت سيطرة إسرائيل غير المباشرة، وإذا أراد سكان قطاع غزة السفر أو تصدير بضائعهم فخياراتهم صفر أمام بعد المسافة إلى مطار القاهرة البالغة حوالي 450 كيلو وميناء بورسعيد البالغة حوالي 250 أو ميناء دمياط البالغة حوالي 350 كيلو.

إذا كان من الجيد إخلاء 700 مستوطن من مجرمي الحرب و22 مستوطنة من مستوطنات قطاع غزة وعودة ما يقرب من 42% من الأراضي التي سيطر عليها المستوطنون من مجمل 365 كم2 إلى هذه المنطقة (قطاع غزة ) الأكثر كثافة سكانية في العالم، فهي تشكل للفلسطينيين خطوة للأمام في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن يجب التحذير هنا بأن موضوع الانسحاب أو لفظ الانسحاب هو مصطلح سياسي قانوني يجب التعامل معه بصورة محددة لا تقبل التأويل، حتى لو فرضنا جدلاً أن الاستيطان قد انتهى في قطاع غزة  بموجب اتفاق أوسلو وأن ذلك، حسب الادعاء الإسرائيلي يعني انتهاء الاحتلال، فإن غزة والضفة بما فيها القدس الشرقية تمثل وحدة جغرافية وسياسية واحدة "وإنهاء الاحتلال من جزء لا يعني نهايته".

يعتبر نموذج حزب الله بالنسبة لمزارع شبعا، النموذج  الأكثر ذكاءاً في التعامل مع هذا الموضوع. فبعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، بقي ما يقارب من 650 دونم هي مساحة مزارع شبعا، وهي منطقة متنازع عليها بين دولتين سوريا ولبنان، تحت الاحتلال الإسرائيلي. وكان موقف حزب الله واضحاً فقد صرح بأن الاحتلال لم ينته لأنه موجود في مزارع شبعا، وأن من حقه الاستمرار في المقاومة، ولو أقر حزب الله بالانسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي اللبنانية لسقط حقه في المقاومة، ونحن بدورنا إذا أسلمنا بانتهاء الاحتلال من قطاع غزة نكون أمام مغالطة غير مسبوقة، خاصة وأن ذلك يعني اسقاط الحق في المقاومة، فجيش الاحتلال عبر عملية إعادة الانتشار لم ينه الاحتلال بالمفهوم المادي والقانوني، فقد ظل قطاع غزة تحت المسؤولية السياسية للاحتلال العسكري الإسرائيلي (وهذا هو تعريف ومضمون الاحتلال)، وطالما بقي الاحتلال مسيطراً بصورة يومية وعملية على حياة السكان المدنيين، فهذا هو مفهوم الاحتلال من وجهة نظر القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، السيطرة على حياة السكان المدنيين في يومهم وحياتهم وعملهم وحركتهم وتنقلهم. وبالذات من يوم إعادة الانتشار وحتى هذه اللحظة أثبتت الوقائع بما لا يدع مجالاً للشك كيف أن الاحتلال يسيطر على مجمل سياق حياتنا وبالكامل.

نبدأ أولاً بموضوع معبر رفح، فلا السلطة الفلسطينية ولا مصر تجرؤان على فتحه بشكل ثنائي ودون اتفاق مع اسرائيل، لأن إسرائيل أبلغتهما، بالحرف الواحد، أنه في حالة تشغيله دون موافقتها ستقوم طائرة اف 16 بقصفه ومسحه عن الأرض، وأنهما لا يملكان الحق في تشغيله، وأن من يملك الحق ويستطيع أن يمارس هذا الحق، فقط قوات الاحتلال الإسرائيلي. كما أغلقت إسرائيل معبر بيت حانون في شمال قطاع غزة، والآن يتم بقرار إسرائيلي التعامل فيه كمعبر دولي، بحيث أصبح الأجانب، بعد إعادة الانتشار، لا يمكثون في المعبر أكثر من 15 دقيقة بعد أن كانوا يعلقون لمدة 4-8 ساعات عند دخولهم إلى قطاع غزة، وأصبح التعامل معهم يتم بالضبط مثل التعامل في المنافذ الدولية الإسرائيلية في مطار اللد وفي منطقة شرم الشيخ "طابا".

وبالنسبة للحدود بيننا وبين إسرائيل، فإن تصريح شاؤول موفاز الذي صرح به الأسبوع الماضي خلال جولة تفقدية له للقوات الإسرائيلية في المنطقة الحدودية الشرقية والشمالية المحاذية لقطاع غزة، يعطينا أبلغ مثال حول التهديد القائم من المدفعية والدبابات الإسرائيلية للقطاع وسكانه، حيث صرح قائلاً "لا أحد يجب أن يتوهم ولو للحظة واحدة أن هذه المدافع موجودة للاستعراض أو موجودة للتهديد فقط هي موجودة هنا للممارسة"، وهذا يعني أننا جميعنا كفلسطينيين في مدى قذائف المدفعية الإسرائيلية ولا أحد مستثنى.

أما بالنسبة لاختراق الطائرات الحربية الإسرائيلية اليومي وبشكل متكرر لجدار الصوت في أجواء قطاع غزة، فقد حلله د. إياد السراج في مقالة نشرت منذ وقت قريب يوضح فيها نوايا وأهداف الإسرائيليين، حيث يتماهون في ذلك مع تجارب تجري على الحيوانات عبر ادهاشهم وتعريضهم للصدمة، وهم داخل أقفاص، ونتيجة هذا الإندهاش تنبعث من الغدة ما فوق الكلوية مادة الإدرينالين التي تهيج الجسم في كميات تفوق الإفراز العادي المعروفة في حالة الفعل العادي والطبيعي، ومع ازدياد وإفراط التعرض للصدمات تقوم الغدة بإفراز كميات مهولة حتى يحدث في داخل الجسم ما يسمى بالنزيف الداخلي وتنفجر الغدة فينتهي الحيوان ذو الجسم العصبي البسيط إلى الموت. إذاً حينما كانوا يتحدثون عن سيطرة نوعية بعد إعادة الانتشار من الخارج كانوا يخططون لهذا النوع من الردود التي يمكن أن تصل بالمجتمع الفلسطيني إلى الانهيار. ولا أحد يسأل لماذا حدث ذلك ولماذا توقف وما الذي حصل؟ هذا دليل إحكام السيطرة والقبضة النوعية لإسرائيل على قطاع غزة، ولا يقتصر الأمر على السابق فهناك تعديات إسرائيلية متواصلة مثل قصف مدرسة ابن الأرقم في بيت لاهيا، كما طلب جيش الاحتلال الإسرائيلي من السلطة إخلاء مقر شرطة بيت لاهيا بعد أن وزع خلال 24 ساعة 3 منشورات تحذيرية تذرعت إسرائيل فيها بأن الصواريخ ضربت من بيت لاهيا، وأنها سوف تقصف مقر الشرطة، وكانت النتيجة أن الآلاف من المواطنين خرجوا إلى الشوارع خوفاً من القصف وفي حالة من الخوف والضياع. إذاً هناك استمرار للسيطرة الإسرائيلية الفعلية من الناحية الأمنية والناحية الإنسانية والناحية السياسية على قطاع غزة، دون أن يكون لنا دور في الفعل أو القرار.

وبالنسبة للجانب الاقتصادي في قطاع غزة هناك 66% من مجموع القادرين على العمل يعانون من البطالة وهناك 81% من مجموع السكان تحت خط الفقر، والمرحلة القادمة سوف تشهد اختناقاً اقتصادياً واجتماعياً غير مسبوق، فقبل فك الارتباط كانت الأمور الاقتصادية تسير بصعوبة بالغة، فكيف ستصبح الحالة الآن ؟

أنا شخصياً لست اقتصادياً مختصاً، لكن ما أعرفه من أبجديات الاقتصاد هو الشعار الرئيسي لضمان النجاح "دعه يعمل دعه يمر"، هذا الشعار رفعه الاقتصاديون الغربيون منذ أكثر من 200 عام حتى اليوم، وهو وراء كل النهضة الاقتصادية في أوروبا والمناطق المزدهرة في العالم، وهو يعني حرية الحركة للأشخاص والبضائع، فما بالك بالوضع الآن في قطاع غزة والإغلاق كامل ومطبق من الجهات الأربع براً وبحراً وجواً.

نحن الآن أمام وضع غير مسبوق من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية وتقديري أن هذا الأمر سوف يتراكم ويتطور في المستقبل، وهدفي ليس قراءة في السياسة وانعكاسها على حقوق الانسان وعلى الوضع القانوني، فالوضع القانوني واضح من خلال كل المعطيات السياسية التي نشرت والوثائق التي جمعت حول الممارسات الإسرائيلية بدءاً من لحظة اعادة الانتشار وحتى الآن، ما يدفع في اتجاه محدد هو أن الاحتلال ما زال موجوداً بشكليه المادي والقانوني.

أعود وأكرر، مصلحتنا مرة أخرى التأكيد للعالم، على أن الاحتلال لم ينته، فهو موجود بشقيه المادي والقانوني، ودون تأخير، لأن الأوضاع مرشحة للتدهور أكثر فأكثر، وعدم انتهاء الاحتلال يعني بقاء الحق في المقاومة، وبقاء الحق في المقاومة لا يعني بالضرورة استخدام القسام بل يجب استغلال المساحة للمقاومة بكل أشكالها، كعنوان مضمون، كحق وواجب لكل من يعاني القهر والظلم، كما يقول الفرنسيون في أدبهم الثوري، وسأكتفي هنا ونفتح باب النقاش.

تعقيـــــب

د. خالد شعبان (مدير الجلسة)

شكراً للأستاذ راجي الصوراني على هذا العرض، ونحن نتفق مع الأستاذ راجي بأن الاحتلال لم ينته، وأن ما حدث هو إعادة انتشار، وهو المصطلح الأصح لتعريف "الانسحاب" أو "فك الارتباط" من غزة حسب ما اتفق الاسرائيليون على تسميته، لذلك فإن الحديث عن السيادة الفلسطينية على قطاع غزة، وإنهاء الاحتلال، والسيطرة على المعابر، والأجواء، ستظل نوعاً من السراب وليست خطوة إلى الأمام، أو في اتجاه التسوية السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وهذا سيكون مجال المناقشات في هذه الورشة.

 

المناقشات والمداخلات

أ. محمد الفرا (*)

بسم الله الرحمن الرحيم

بداية أشير أنه حتى الآن لم يتم احراز أي تقدم على مستوى الاجتماعات الإسرائيلية-الفلسطينية، بالنسبة للوضع القانوني لقطاع غزة، وخاصة فيما يتعلق بمعبر رفح. ففي الاجتماع الذي عقد مؤخراً في منتجع البحر الميت في الأردن بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، والذي استمر أربع ساعات، لم يحرز أي تقدم يذكر، وكل ما حصل كان محاولة اسرائيلية لتغيير الموقف الفلسطيني وتهيأته لقبول فكرة نقل معبر رفح الحدودي من مكانه الحالي إلى معبر (كيرم شالوم).

حسب اعتقادي، مخطئ من يظن أن إسرائيل لم تمارس الدهاء السياسي في خطة إعادة الانتشار أو كما يسميها البعض خطة الانفصال أو فك الارتباط أحادي الجانب، فعلى المستوى الاعلامي جنت إسرائيل وما زالت تجني ثمار هذه الخطوة، وقد توج ذلك بالخطاب الذي ألقاه شارون في الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً وأشاد به المجتمع الدولي، في حين أنه على المستوى الفلسطيني لم يتم تحقيق أي انجاز. وبذلك فإن إسرائيل كانت الرابح الوحيد، حتى في ما يتعلق بترسيم حدود قطاع غزة وتحويل المعابر إلى معابر دولية. ولذلك فإن الحل أن نحقق استقراراً سياسياً وأمنياً ونرسخ برنامجاً سياسياً فاعلاً ونحقق مبدأ سيادة القانون للارتقاء بالمرحلة الحالية من مراحل الثورة الفلسطينية.

جميل مجدلاوي (*)

أتفق مع الاستخلاصات التي أجملها الأستاذ راجي الصوراني، ولكن سأطرح إشكاليتين لهما طابع قانوني برزتا سواء على مستوى الحوار الداخلي في القيادة الفلسطينية، أو في الحوار بين القوى الفلسطينية. الإشكالية الأولى: تتعلق بالأراضي التي كانت موضع استثمار ومصادرة من قبل المستوطنات والمستوطنين.  لقد طرح في احدى اجتماعات اللجنة التنفيذية، موضوع ضرورة رفع دعاوي من خلال الهيئات المعنية والمختصة تطالب إسرائيل بالتعويض عن استغلالها لهذه الأراضي لما يزيد عن 38 سنة، وهناك رأي طرح من قبل الأطراف التي تفاوض الإسرائيليين بأن هذه قضية من قضايا الحل النهائي ولا بد من تأجيلها، نحن لا نعتقد أن موضوع المطالبة بالتعويض هو مسألة ترتبط بالضرورة بقضايا الوضع النهائي، فأتمنى إلقاء الضوء على هذه النقطة من زاوية القانون الدولي، وأن يتم التوسع في تناول هذه المسألة لنساعد في أخذ قرار حول هذه النقطة، في ورشات عمل أخرى.

الإشكالية الثانية: يوجد اجتهاد طرح من قبل وزير شؤون الأسرى في السلطة الفلسطينية، ومن قبل الإخوة في حركة حماس يقول أنه : بعد إخلاء مستوطنات قطاع غزة لم يعد هناك مبرر لبقاء المعتقلين من أبناء القطاع في السجون الإسرائيلية، وطالبوا علناً بالإفراج عنهم، وجاء ذلك في ندوة مشتركة بين سفيان أبو زايدة وزير شؤون الأسرى وبين اسماعيل هنية أحد قياديي حماس. وقد تباينت وجهات النظر داخل الندوة حيث كان هناك رأي آخر يقول أن هذا خطأ مركب، الوجه الأول لهذا الخطأ هو إشاعة وهم أن غزة قد تحررت وأن الاحتلال قد انتهى، والوجه الثاني هو أننا نتبنى فلسطينياً ما تحاول إسرائيل أن تفرضه علينا، وهو تصنيف المعتقلين حسب الجغرافيا وحسب أماكن إقامتهم. وقد كان جواب اسماعيل هنية هو أن حماس تطرح هذا الموضوع فقط من زاوية الآليات وليس من الزاوية القانونية، وفي تقديري أن هذا الموضوع يحتاج إلى بحث جدي من المختصين لمزيد من التوضيح.

في نهاية حديثي أود التنويه إلى ما قاله الأستاذ راجي الصوراني حول حق شعبنا في المقاومة، وأؤكد إن لجنة المتابعة أجمعت على نقطتين الأولى: التأكيد على المواقف التي جاءت في اتفاق القاهرة في 17 آذار 2005، والنقطة الثانية: التمسك بحق شعبنا بمقاومة الاحتلال.

عمر عاشور (*)

أود الإشارة إلى قضية هامة تتعلق بالوضع القانوني لقطاع غزة بعد الانسحاب وهي سجل السكان، فسجل السكان الفلسطينيين في قطاع غزة تتحكم به إسرائيل بشكل كامل، فهي صاحبة القرار في إعطاء الهويات، وملفات المواطنين موجودة في إسرائيل، وبذلك فإن أي معاملة مدنية يريد المواطن الفلسطيني إجراءها، من زواج أو إضافة أبناء، تستوجب على موظفي سجل السكان الموجودين في غزة التحدث مع الطرف الإسرائيلي المختص، وهذا من أهم مظاهر الاحتلال. ويتفرع من قضية سجل السكان مصير عشرات آلاف الفلسطينيين الذين دخلوا الأراضي الفلسطينية بتصاريح زيارة انتهت مدتها، أو بجمع شمل، فهل تستطيع الجهات الفلسطينية المختصة اعطاءهم هوية؟ بالطبع لا نستطيع.

وقضية المعابر مرتبطة بهذه القضية هل نستطيع إعادة النازحين الذين نزحوا من قطاع غزة 1967؟ وهذا بند من بنود اتفاق أوسلو والذي تفاوضت عليه اللجنة الأردنية-الفلسطينية-المصرية-الإسرائيلية. معنى ذلك ومن ناحية قانونية أن مظاهر الاحتلال في تحكمه بالمواطنين ما زالت موجودة، والثغرة هي عدم تطرق الحقوقيين لهذه القضية لذلك أرجو من مركز حقوق الانسان أو المراكز الحقوقية الأخرى متابعتها.

أيضاً بالإضافة للقضايا التي تحدث عنها الأستاذ راجي والتي تحدث فيها القانونيون، في أن قطاع غزة ما زال محتلاً جواً وبحراً والمعابر وديمغرافياً، لقد تحدث الاسرائيليون في صحافتهم قبل فترة وجيزة أنهم يريدون إستصدار قرار من مجلس الأمن يقول أن غزة لم تعد محتلة، فنرجو من القانونيين والدبلوماسيين تحضير دفاعهم في هذه القضية، لأنه إذا صدر قرار يقول أن غزة ليست محتلة، فهذا خرق قانوني دولي وهنا سينعكس سلبياً على مستقبل الوطنية الفلسطينية برمتها. ولا ننسى التهليل الذي حدث لشارون في الأمم المتحدة ويمكنه أن يكون مقدمة لما هو آتِ، فهذا موضوع مهم ونرجو تعميق الدراسات حول الوضع القانوني لقطاع غزة حالياً وشكراً.

عبد الحميد العيلة (*)

بسم الله الرحمن الرحيم

أود إثارة موضوع متعلق بالجانب القانوني وعلى وجه الخصوص موضوع المعابر (معبر رفح ومعبر بيت حانون) وعلى ضوء الواقع السياسي الذي نشأ بعد خطة إعادة الانتشار، فكما نعلم كانت الحدود المصرية الفلسطينية التي يصل طولها إلى 14 كم تحت السيطرة الإسرائيلية حسب اتفاقية كامب ديفيد، وأنا أتساءل عن الوضع القانوني الآن بين الدولتين، بعيداً عن الجانب الفلسطيني، حيث نصت اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل على وجود معبر بري، فقد تعقدت الأمور بل زادت تعقيداً إثر إعادة الانتشار، وترك الأمور عالقة بدون حل، التساؤل هو، من هو الطرف الذي يستطيع إيجاد الحل لهذه الحالة القانونية المعقدة؟

وأيضاً في ما يتعلق بمعبر بيت حانون، فقد زاد الأمر تعقيداً عندما حولت إسرائيل المعابر إلى معابر دولية، فما الوضع القانوني للأراضي التي تدعي إسرائيل أنها انسحبت منها ونحن لا نزال نصر على أنها أراض محتلة، وكيف يتعامل الجانب الإسرائيلي مع أراضي نصفها تحت الاحتلال ونصفها الآخر يعتبرها أراضي أجنبية؟ فهذه تساؤلات نريد أن نلتمس الحلول القانونية لها، وحول موضوع المعابر بالتحديد، وشكراً.

هدى حمودة (*)

كلنا متفقون حول التوصيف القانوني لأراضي قطاع غزة الذي قدمه الأستاذ راجي، إلا أن التساؤل يكمن في موضوع  الآليات التي يمكن للحقوقيين ومركز حقوق الانسان برئاسة الأستاذ راجي الصوراني العمل من خلالها، خصوصاً أن السلطة الفلسطينية بحاجة لذلك، هل يمكن التحرك قانونياً بدعم ومشاركة جهات دولية تقوم بطرح الحقائق كلها من خلال المنابر الدولية، ويصبح هناك تحرك ضاغط من القوى المناصرة لنا، لدعم الوضع الفلسطيني في هذا الاتجاه، والتأكيد على أن الوضع في قطاع غزة لا يزال كاملاً تحت سيطرة الاحتلال؟

محمد الناطور (*)

هناك أربعة استفسارات تتعلق بالوضع القانوني لقطاع غزة بعد فك الارتباط، والبعد القانوني للحدود بوصفها الحالي، هل سيكون هناك حل للانتهاكات الإسرائيلية الواضحة والصريحة والمستمرة لحقوق الانسان من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؟ من يتحمل العواقب القانونية لعملية فك الارتباط خاصة مع وجود مئات العائلات التي كانت خارج الوطن وعادت عندما فتحت الحدود؟ مدى الامكانيات قانونياً، ومدى صحة الأسس القانونية التي تستدعي رفع دعاوى، على الجانب الإسرائيلي لاستغلاله الأراضي لفترة طويلة؟ ما مدى قانونية إقامة منطقة عازلة في أراضي السلطة الفلسطينية في شمال قطاع غزة؟ كل هذه تساؤلات تحتاج إلى إجابات واضحة.

جمال زقوت (*)

أعتقد أن أحد أهم أهداف خطة شارون لفك الارتباط هو إلغاء المرجعية الدولية للقضية الفلسطينية والحل السياسي الذي أكدته القرارات الشرعية وخلق مرجعية جديدة تقوم على ما يقدمه الاحتلال والاسرائيليون. وأنا أعتقد أن خطة فك الارتباط تخلق فصلاً ما بين الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع. والسؤال هو كيف نرد على ذلك وما هو الإطار القانوني الذي يمكن أن يشكل حاضنة للرد على ذلك؟

أعتقد أن وزارة الخارجية الفلسطينية أعدت موقفاً قانونياً في ورقة سترفعها للأمم المتحدة وفيها ردود على كافة الجوانب القانونية للوضع في قطاع غزة بعد الاخلاء، حسب ما صرح به وزير الخارجية ناصر القدوة.

السؤال المركزي الآن كيف يمكن في هذه اللحظات الصعبة حماية الإطار القانوني للقضية الفلسطينية بمبادرة سياسية لا تؤثر على الحالة القانونية. لقد كان واضحاً أن إسرائيل سوف تغلق بعد رفح وتتنصل من فتح ممر آمن على الأقل الأسباب تكتيكية هدفها إشغال الفلسطينيين، فبدلاً من السؤال ماذا بعد غزة يصبح الحديث ماذا حدث في المعبر؟ مات أحد أم لم يمت؟ دخلت البضاعة والدواء أم لم تدخل؟ بهذه الطريقة الملتوية، لا أستبعد قيام إسرائيل خلال ستة أشهر بإعطاء سيادة كاملة على المعبر والميناء والأجواء مقابل إعلان دولة في غزة، وبعد ذلك نرى كشمير جديدة في المنطقة، هذا هو سؤالي الأساسي للأستاذ راجي الصوراني.

 

ردود الأستاذ راجي الصوراني

أريد الإشارة إلى حقيقة واحدة أن الورقة القانونية حول موضوع "إعادة الانتشار" التي أعددتها وقمت بتوزيعها لم يناقشها معي أحد من السياسيين الفلسطينيين أو السلطة. الوحيد الذي أرسل برأيه مكتوباً كسياسي كان الدكتور محمود الزهار وكان مطارداً ومطلوباً، وقد اتفق أو اختلف معه إلا أنه يبقى الوحيد الذي أعطى رداً. كما اهتم الاتحاد الأوروبي أيضاً بهذا الموضوع وجاء سفراء 14 من 15 دولة يناقشوها معي، ورغم أن الاتحاد الأوروبي مؤيد لخطة شارون وخطة إعادة الانتشار، لكنه يعمل على أساس تقبل الرأي الآخر ومناقشة وسماع اقتراحاته (الذهنية النقدية). في حين أنني كنت أتمنى موقفاً أكثر حزماً ووضوحاً وإدراكاً لخطورة الوضع بين وزارة الخارجية الفلسطينية خاصة أمام آلة غاية في التعقيد تشتغل كماكينة سويسرية أمام العالم كله والمقصود بهذا الكلام وزارة الخارجية الإسرائيلية.

لقد أنشأت السلطة ملفاً وهيئة لتنسيق الانسحاب، فالسلطة ممثلة برئيسها ووزاراتها أسموه ملف الانسحاب وعينوا وزيراً مسؤولاً عنه وتحدث الجميع عن انسحاب فقط، الآن هناك من يقول أن الاحتلال رحل وهرب نتيجة طلقات الثوار وسموا ذلك اندحاراً، وقال البعض أن الاحتلال رحل نتيجة حوارنا ومفاوضاتنا، ولم يقل أحد أن ما حدث هو ليس انسحاباً، وتغافلنا بذلك عن حقيقة واضحة، فإسرائيل في 5 يونيو حزيران 67 أعلنت أنها احتلت الضفة وغزة بما فيها القدس، وقالت بأن جيش الاحتلال سوف يبقى وسوف نحكم السيطرة على الضفة، وقد جاء الكلام في البيان الإسرائيلي رقم واحد، كما قالت أن اتفاقية جنيف الرابعة سوف تطبق في الأراضي المحتلة، وهذا كلام غاية في الأهمية للسياسي وليس للقانوني فقط.

لقد اعترفت إسرائيل باتفاقية جنيف الرابعة لمدة ثلاث وأربعين يوماً فقط إذ لم تلبث أن تراجعت وجاء في تفسيرها في ذلك أن " اتفاقية جنيف الرابعة لا تسري على الأراضي التي تم احتلالها لسببين، الأول، نحن لسنا قوة احتلال حربي، وثانياً هذه المناطق التي دخلناها (الضفة وغزة بما فيها القدس) هي مناطق مدارة أو مناطق متنازع عليها، وبالتالي فإن اتفاقية جنيف الرابعة لا تنطبق عليها ".

فإذا أردتم أن تطلعوا بشكل دقيق على الأهداف من كل سياسات إسرائيل إقرأوا القوانين الإسرائيلية، فنحن لسنا بحاجة لقراءة مقالات ولا تحاليل، فقط القوانين الإسرائيلية في قرار فك الارتباط، خاصة المنشور رقم واحد لقطاع غزة الذي وزع أخيراً، والذي يقول "انتهاء الحكم العسكري في قطاع غزة" ولم يقل انتهاء الاحتلال، يجب أن ننتبه لكل كلمة يقولونها، لكل كلمة تصدر من مستشار قانوني، من وزير دفاع، من الحاكم العسكري لقطاع غزة أو قائد المنطقة الجنوبية، إسرائيل التي تنصلت من اتفاقية جنيف الرابعة كانت هي الدولة الوحيدة في العالم التي تقول هذه الاتفاقية لا تنطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا يدعونا للتساؤل حول الهدف الاستراتيجي للإدعاء الإسرائيلي بأن هذه الاتفاقية لا تسري على المناطق الفلسطينية المحتلة.

أولاً، تهدف إسرائيل بهذا الإدعاء إلى التنصل من الاتفاقية فمن غير المعقول أن تقوم بالالتزام باتفاقية من هذا النوع باعتبارها قوة محتلة للأرض والسكان وتخرقها فعلياً في أسسها وبنودها.

ثانياً: هناك أهداف سياسية بعيدة المدى، وهذه الأهداف تحدث عنها الأيديولوجيون وكبار الساسة الاسرائيليون، ومن أجل ذلك تم ضم القدس للبدء بالمشروع الاستيطاني في الضفة، وتم تسليط عشرات من كبار الباحثين القانونيين الإسرائيليين للرد على موضوع خروقات إسرائيل للقانون الدولي، في حين أننا في منظمة التحرير الفلسطينية في حينه وحتى العام 1979 أغلفنا أهمية القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ولم يتحدث أحد من قريب أو بعيد عنه، لا اتحاد محامين عرب ولا اتحاد محامين فلسطينيين، ما عدا قلة من الذين انتبهوا لأهمية طرح الموضوع القانوني مثل رجا شحاته، من مؤسسة الحق في الضفة الغربية، وبمساندة بعض القانونيين المحنكين. وربما يجيب ذلك عن التساؤل حول ما الذي يزعج الإسرائيليين عند الحديث عن الملف القانوني؟ بدون شك إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أكثر الصراعات توثيقاً في العصر الحديث لكنه أكثر القضايا العادلة التي تعرضت للتآمر، فعندما اجتمعت 3800 منظمة انسانية وحقوقية في "مؤتمر دربن" في جنوب أفريقيا وقالوا أن إسرائيل تمارس جرائم حرب، إسرائيل دولة احتلالية، إسرائيل دولة عنصرية، صمتت في الوقت نفسه 189 دولة عن جرائم إسرائيل، تحت الضغط الأميركي، وقد صرح ياسر عرفات في ذلك الحين قائلاً إنه يعتز بالمنظمات غير الحكومية التي تجرأت ووجهت أصبع الاتهام إلى إسرائيل، في الوقت الذي لم يتطرق العالم كله لهذه الجرائم.

أنا لا اقول أن التمسك بالقانون الدولي الإنساني هو سبيلنا الوحيد إلى النصر، طبعاً لا وإنما هناك شريعتان: شريعة الغاب وشريعة القانون، ولا ينبغي علينا التساؤل مع أي عالم؟!

نحن مع القانون طبعاً لأن قضيتنا نبيلة وأهدافنا نبيلة ووسائلنا نبيلة، نحن مع الأسرة الدولية ومع القانون الدولي، وأنا في أي محفل دولي أنادي بحقنا في تقرير المصير وإنهاء الاحتلال. فالإستيطان جريمة، والاغتيال السياسي جريمة، وقتل المدنيين جريمة، وتقرير المصير يشمل " فيما يشمل " ممارسة الكفاح المسلح وصولاً إلى المظاهرة الشعبية السلمية، هذا يجب أن يكون خطابنا ببساطة، وهو لا يتناقض أو يتعارض لا مع الثورة أو النضال أو الكفاح المسلح، فهو عامل مكمل له وحاضن ومشرع. إذن ما هو الفرق بين الارهاب والحق في تقرير المصير والنضال ضد المحتل؟ القانون الدولي، الذي يسخر منه البعض بالتساؤل حول فائدته في وقتنا الحالي، يعتبر مرجعاً لنا للفصل بين الإرهاب والحق المشروع في المقاومة. المادة الأولى في العهدة الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية تقول وبشكل واضح وصارم "الحق في تقرير المصير للأفراد والشعوب"، وهناك مئات الكتب في القانون التي تقول أن هذا الحق يشمل كل أنواع النضال بدءاً من الكفاح المسلح إلى النضال السلمي، وهذا جاء في وثائق الأمم المتحدة وليست آراء أشخاص وأفراد، فلا بد أن نكون واعين لأهمية القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

أعود وأحمل أنفسنا مسؤولية التقصير، لقد ساهمنا ومنذ اليوم الأول لفك الارتباط بنقل الصورة خطأ، وقد  ساهم الجميع في ذلك الجميع، السلطة وكل الفصائل السياسية ولا أستثني أحداً، نحن ارتكبنا جريمة لن أقول بقدر جرائم شارون، ولكنها جريمة بحق شعبنا وقضيتنا ولو كان ذلك عن غير وعي. نحن من سمى إعادة الانتشار الإسرائيلي انسحاباً،  نحن من بدأنا نحيي أعياد النصر والاحتفالات ونرفع الشعارات التي كانت كلها مغالطة للواقع والعقل، على الرغم من أن الواقع كان واضحاً وصريحاً بل وقحاً، لكن قراءتنا له لم تكن واضحة.

فالصورة التي رسمت للعالم، دون وعي منا، عن "الانسحاب" أو "إعادة الانتشار" هو بالضبط ما أراد الاسرائيليون من الفلسطينيين إيصاله للعالم وقد ساهمنا بذلك عن غير قصد. والبعض تجاوز ذلك وانشغل بالمظاهر الحضارية للشعب الفلسطيني أثناء إعادة الانتشار، وانشغل آخرون بوهم الحفاظ على تركة الاحتلال في المستوطنات، وآخرون بالمشاريع المستقبلية في المستوطنات أو التعويضات .. والدفيئات ..إلخ.

أما عن سجل السكان وعن السكان المدنيين والمواطنة، مقيمين وغير مقيمين، نحن مرة أخرى نجد أن فهمنا للأمور أحياناً مغلوط أو غير مفهوم.

كان سجل السكان المدنيين منذ توقيع اتفاقيات أوسلو حتى هذه اللحظة، وما زال بيد حكومة الاحتلال الإسرائيلي، ويعني ذلك من وجهة نظر إسرائيل أننا لسنا مواطنين، بل مقيمين، والذي يحدد الإقامة لنا هنا هي إسرائيل وليست السلطة التي لا تملك صلاحيات ذلك، فإسرائيل فقط تملك صلاحيات الموافقة على إصدار جواز السفر للمواطن الفلسطيني هنا، ولن يحصل عليه، بل لن يستطيع السفر إلا بموافقة الطرف الإسرائيلي، وهذا الكلام ينطبق على الخفير والوزير والجميع.

حاولت السلطة في مرحلة سابقة إصدار جوازات سفر لفلسطينيين في الخارج، ولا يحملون هوية مقيم في قطاع غزة أو الضفة الغربية لكن الأوروبيين، والإسكندنافيين على وجه الخصوص، حذروا وهددوا بإيقاف المعونات إذا استمر ذلك فأوقفت السلطة إصدار هذه الجوازات.

بالنسبة لمعبر رفح، يجب أولاً أن نحدد الطرف الذي تتوقف عليه مسألة اتخاذ القرار لحل هذه القضية، وهو إسرائيل، فقد وصَّفت إسرائيل حدود قطاع غزة مع مصر من خلال اتفاقية كامب ديفيد 79، وهذه الاتفاقية هي التي حددت فتح المعبر 24 ساعة، وبما أن مصر لم تبرم اتفاقاً مع السلطة الفلسطينية بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي وسيطرته على الحدود والمعابر، فإن الطرف المقرر يظل إسرائيل. وإذا أرادت مصر إبرام اتفاق مع السلطة الفلسطينية يجب أخذ الإذن والموافقة من إسرائيل، وهذه هي المعضلة القانونية بسبب "إعادة الانتشار" وليس "الانسحاب" الإسرائيلي.

الحل برأيي هو أننا يجب أن نوحد خطابنا وأن نبتعد عن تعددية الخطابات والمواقف.

يجب ألا نغفر وألا ننسى إطلاقاً، الجرائم التي تمارس علينا وعلى شعبنا فنحن لدينا قضية عادلة ومشروعة من حقنا بل واجبنا ألا نترك سلاح مشروع إلا ونستخدمه في مواجهة هذا الاحتلال. والنضال القانوني من أجل القضية الفلسطينية لا يجب أن يقتصر على بعض الأكاديميين وبعض ناشطي حقوق الانسان بل يجب أن يتخذ منحى أكثر رسمية وجماهيرية، حيث أكدت الـ 20 سنة الماضية أو الـ 25 سنة الماضية أنه نضال ذو جدوى كبيرة للشعب الفلسطيني، وقضية الاستمرار فيه تحمل أهمية قصوى لنا.

وعلى الرغم من الدعم القانوني الأمريكي غير المحدد لإسرائيل، اليوم، بحيث أصبحت إسرائيل الإله الجديد، وفوق فوق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، فإن تمسكنا وتجذرنا نحن في المعسكر الذي يطالب بسيادة القانون ويريد بالفعل علاقات ناظمة وإنسانية محترمة سيبقى أداة قوة في أيدينا. وهذا الاحتلال السائد حالياً، لن يدوم طويلاً، قد يدوم عام وقد يدوم 10 أعوام، لكن في النهاية لكي تستمر الحياة على هذا الكوكب بشكل متوازن يجب أن تكون العلاقات الدولية بحدودها الدنيا خاضعة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ويقينا كل قضية عادلة ومشروعة ستنتصر في النهاية.

تعقيب د. خالد شعبان مدير الجلسة

في النهاية أتوجه بالشكر للأستاذ راجي الصوراني على هذا الإجمال القيم، وأشكر الأستاذة مجد الوجيه القائم بأعمال مدير عام مركز التخطيط الفلسطيني والأستاذ عمر المصري الذي بادر لإقامة هذه الورشة، ونشكر الحاضرين جميعاً على مشاركتهم.

 

تمهيــد

أثار إعلان حكومة إسرائيل عن خطة "الانفصال" أحادي الجانب موجة من التصريحات في أنحاء العالم بأن السلام على الأبواب وأن الأمل في الطريق، حيث صوّرت خطة إعادة الانتشار على أنها إنهاء للاحتلال، واعتبرتها المقاومة الفلسطينية انتصاراً، فيما اعتبرها اليمين الإسرائيلي تنازلاً لـ "الإرهابيين".  ولكن الخطة ليست أياً من ذلك، فهي تعزز الاحتلال الحربي الإسرائيلي الآن وهو في عامة السابع والثلاثين.  إن الخطة تشكّل استراتيجية يتبناها رئيس الوزراء الإسرائيلي تهدف إلى حرف الأنظار عن أوضاع حقوق الإنسان المتدهورة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بسبب الانتهاكات المتواصلة التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي، بينما يكون لديه متسع من الوقت من أجل منع تنفيذ الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية، من خلال خلق "حقائق جديدة على الأرض" في الضفة الغربية. 

يؤكّد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بأن الخطة ستعمل على تحقيق رغبة إسرائيل بـ "فصل" قطاع غزة عن مسئوليتها القانونية، من خلال الاستمرار في رفض تطبيق القانون الدولي الإنساني.  وتهدف الخطة الإسرائيلية أيضاً إلى تعزيز وزيادة عزل قطاع غزة، وبالتالي زيادة الخنق الاقتصادي والاجتماعي للسكان المدنيين. 

 ويؤكّد المركز في هذه الورقة أيضاً بأن القانون الدولي الإنساني (اتفاقية جنيف الرابعة على وجه التحديد) ستبقى منطبقة حتى في حال إعادة انتشار للجيش الإسرائيلي الذي سيظل قوة احتلال "تمارس السيطرة" على قطاع غزة.  ويشدد المركز على أن الخطوات أحادية الجانب وعدم الاكتراث لالتزامات حقوق الإنسان لن تقود إلى تحقيق نهاية سلمية وعادلة لهذا الصراع. 

مقدمــة  

يشعر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ببالغ القلق فيما يتعلّق بـ "خطة انفصال"[1]اقترحها رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون بتاريخ 14 إبريل 2004 لإعادة انتشار عسكري في قطاع غزة، وإعادة انتشار محدودة في بعض المناطق في الضفة الغربية.  وينبع قلق المركز بشكل خاص من أنه حسب التفاصيل التي نشرها مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي،[2] فإن خطة "الانفصال" المقترحة والتصريحات المتصلة بها ستساعد إسرائيل على مواصلة تنصّلها من التزاماتها القانونية والأخلاقية بموجب القانون الدولي، بما فيها: حق العودة للاجئين، وعدم تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية بشأن جدار الضم، وحق تقرير المصير. 

ولم يتم نشر خطة الانفصال كاملة ولم يتم التوصل إلى صيغة نهائية لها، والمفهوم الذي أفصح عنه حتى الآن هو مثار قلق بالغ لمنظمات حقوق الإنسان التي يمكنها أن تكون واثقة من أن الخطة لا تخدم القانون الدولي الإنساني أو القانون الدولي لحقوق الإنسان.  ولا تصل الخطة إلى حد إنهاء الاحتلال، بل إنها في واقع الأمر تعزز وضع السلطات الإسرائيلية كقوة احتلال، حيث سيكون بإمكان إسرائيل مواصلة سيطرتها الكاملة على قطاع غزة، وبالتالي فإن اتفاقية جنيف الربعة يجب أن تظل الوثيقة القانونية الأساسية التي تحكم الأراضي الفلسطينية. 

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون قد أعلن في شهر ديسمبر 2003 عن "خطة انفصال" مقترحة عن قطاع غزة، وإجراءات ذات صلة في الضفة الغربية كإجراء أحادي الجانب يتم خارج أي تسوية تفاوضية من الجانب الفلسطيني.[3] والخطة هي في حد ذاتها استراتيجية سياسية وعسكرية ذات تبعات خطيرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للشعب الفلسطيني.  ويجب على منظمات حقوق الإنسان أن تأخذ في الاعتبار المظاهر القانونية والسياسية العسكرية لهذه الخطة كجزء من استراتيجيتها للسعي بشكل فعال إلى تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. 

ويشعر المركز بالقلق من أن محاولة تطبيق هذه الخطة التي لا تحترم القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ستؤدي إلى المزيد من التدهور في الأوضاع العسكرية والسياسية والاقتصادية على الأرض.  وتسعى ورقة الموقف هذه إلى عرض أوجه القصور في هذا المقترح فيما يتصل بالتزامات إسرائيل وفقاً للقانون الدولي وآثار الخطة على حقوق الإنسان والوضع الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما تتضمن الورقة تحليلاً نقدياً للخطة، وهو ما كان غائباً حتى الآن عن الجدل بشأن الخطة.  حتى الآن، عرضت وسائل الإعلام والحكومة الإسرائيلية "خطة الانفصال" على أنها إنهاء لاحتلال غزة، فيما اعتبرتها بعض العناصر في المجتمع الفلسطيني انتصاراً، ولكنها في الواقع ليست أياً من ذلك. 

أصدر أعضاء اللجنة الرباعية بياناً بعد الإعلان عن "خطة الانفصال"، تضمن سوء فهم واضح لطبيعة الخطة:

"تنظر اللجنة الرباعية بإيجابية إلى نية رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون المعلنة للانسحاب من كافة مستوطنات غزة ومن أجزاء من الضفة الغربية، حيث ترحب اللجنة بهذه الخطوة وتشجعها، فهي تشكل فرصة نادرة في السعي نحو تحقيق السلام في الشرق الأوسط"

 وأضافت اللجنة تأكيدها بأن "خطة الانفصال" تدعم خارطة الطريق. ولكن الخطة في الواقع ليست خطة سلام ولا حتى فرصة، لأن إطارها مصمم للحد من التقدم نحو تحقيق السلام من خلال فرض تدهور في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للأراضي الفلسطينية المحتلة، بينما يتم استبعاد منظمة التحرير الفلسطينية/ السلطة الوطنية الفلسطينية (في مخالفة واضحة لخارطة الطريق)، وتعزيز السيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة. 

يشعر المركز ببالغ القلق من أن "خطة الانفصال" هي في الواقع وسيلة تحقق من خلالها الحكومة الإسرائيلية استراتيجية تتبناها تهدف إلى:

1.     إبعاد الأنظار عن أوضاع حقوق الإنسان المتدهورة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تتسم بتزايد حوادث قتل مدنيين، وهدم المنازل، والإعدامات خارج نطاق القضاء، وغيرها.

2.       إلغاء دور منظمة التحرير الفلسطينية في المفاوضات حول وضع فلسطين في المستقبل.[4] 

3.       مواصلة الخنق الاقتصادي والاجتماعي لقطاع غزة وبالتالي مواصلة الاحتلال الحربي.

4.       وقف الجدل حول تطبيق الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل العليا فيما يتعلق بجدار الضم، الذي يهدف إلى ضم نحو 58% من أراضي الضفة الغربية، وهو ما سيعطي إسرائيل فرصة أكبر لتسريع البناء وتنفيذ استراتيجية الأمر الواقع التي تتبناها، والتي تهدف في نهاية المطاف إلى جعل إقامة دولة فلسطينية أمراً مستحيلاً.

5.     نقل المسئولية عن الوضع الأمني في قطاع غزة إلى الحكومة المصرية، بينما يسمح لقوات الاحتلال الإسرائيلي بالتوغل في غزة.

6.     تسهيل التوسيع المتسارع للمستوطنات الإسرائيلية، التي تعتبر غير شرعية وفقاً للقانون الدولي الإنساني، في الضفة الغربية.

7.       منع عودة اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما يعتبر حقاً مشروعاً لهم حسب القانون الدولي.

8.     وضع حد لمطالب المجتمع الدولي التي تظهر في صورة قرارات صادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.

يؤكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بأن الخطة، التي تقضي بإعادة نشر القوات الإسرائيلية في قطاع غزة، تعني استمرار الاحتلال العسكري الإسرائيلي، كما أن استمرار التواجد العسكري لقوة الاحتلال لا يتضمن نقل السيادة إلى دولة فلسطينية.  إن هذا الأمر يوضح حقيقة أن الخطة الإسرائيلية هي وسيلة لتدمير آفاق وقدرة الشعب الفلسطيني على إقامة دولة مستقلة، بينما تخلق وهماً بشأن إنهاء الاحتلال.

  وضع الأراضي الفلسطينية المحتلة

يخضع قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، لاحتلال حربي متواصل من قبل إسرائيل منذ عام 1967.  بالتالي، فإن اتفاقية جنيف الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب لعام 1949، التي تكفل حماية المدنيين خلال النزاعات وتحت الاحتلال، هي الإطار القانوني الأساسي لكافة النشاطات في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية المحتلة.  وقد أكّد المجتمع الدولي بشكل متكرر، بما في ذلك أجسام الأمم المتحدة، والحكومات، ومحكمة العدل الدولية، والمنظمات الدولية، على الانطباق القانوني لهذه الاتفاقية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.  وإسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تعترف بالانطباق القانوني للاتفاقية. 

 بلغ مساحة قطاع غزة 365 كيلومتراً مربعاً، وله حدود مع مصر يبلغ طولها 11 كيلومتراً، وحدود مع إسرائيل يبلغ طولها 51 كيلومتراً.  وتسيطر إسرائيل على هذه الحدود وعلى شاطئ البحر الذي يبلغ طوله 45 كيلومتراً.  وقد أقام الجيش الإسرائيلي سياجاً الكترونياً حول الحدود البرية لقطاع غزة، ويواصل توسيع منطقة عازلة من الأراضي المجرفة بين السياج والمناطق الفلسطينية.  ويعيش في قطاع غزة أكثر من 1.3 مليون فلسطيني، معظمهم من لاجئي عام 1948.  ومنذ توقيع اتفاقيات أوسلو، تسيطر إسرائيل بشكل مباشر على أكثر من 58% من مساحة قطاع غزة لاستخدام الجيش والمستوطنين بصورة مطلقة، بما في ذلك المستوطنات، والمواقع العسكرية، والطرق، والمناطق العازلة المقامة من أجل حماية المستوطنات.  يعيش نحو 6000 مستوطن حالياً في 19 مستوطنة في قطاع غزة.  وبينما تتواصل سياسة تجريف ومصادرة الأراضي التي ينتهجها الجيش الإسرائيلي، تزداد مساحة الأراضي التي تخضع للسيطرة الفعلية الإسرائيلية.  يقوم الجيش الإسرائيلي باستمرار بتقسيم قطاع غزة إلى ثلاث مناطق منفصلة مستعيناً بالحواجز العسكرية لإغلاق الطرق في شمال ووسط وجنوب القطاع، وهذا يعني بأن الجيش يتحكم فعلياً بتحرك كافة السكان المدنيين في قطاع غزة.  إلى جانب ذلك، فإن عدداً من المناطق، بما فيها المواصي والسيفا، معزولة بشكل كامل عن باقي أنحاء قطاع غزة، وتتحكم نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية في الوصول إلى هذه المناطق. 

 على الرغم من وجود سياج الكتروني حول قطاع غزة إلا أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة تصاعدت منذ شهر سبتمبر 2000 وتميزت بالتوغلات والهجمات الجوية على المناطق السكانية في شمل ووسط وجنوب قطاع غزة.  ويستخدم هذا السياج الالكتروني كنموذج لتبرير بناء جدار الضم في الضفة الغربية، مع ذلك، فإن التصعيد في التوغلات في المناطق السكانية في قطاع غزة يدلل بوضوح على فشل هذا النموذج "الأمني." علاوة على نواياها بضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، ستتمكن السلطات الإسرائيلية من فرض نظام الخنق الاقتصادي والاجتماعي نفسه على الضفة الغربية تحت ذريعة "المخاوف الأمنية."

 قطاع غزة: سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي على البر والبحر والجو

 من الواضح من التفاصيل التي وردت في الخطة، إذا نفذت، أن قطاع غزة سيظل من الناحية الفعلية تحت السيطرة الاقتصادية والاجتماعية لإسرائيل، بما في ذلك من خلال التواجد المستمر في داخل القطاع وعلى طول المناطق الحدودية.      

 تنص الخطة بشكل محدد على أن إسرائيل "ستنقل المواقع العسكرية وكافة القرى والبلدات الإسرائيلية في قطاع غزة إلى مواقع أخرى،"[5] وبذلك تحتفظ بمواقع وقواعد عسكرية داخلية.  وتنص الخطة أيضاً على ما يلي:

 "ستستمر إسرائيل بالاحتفاظ بتواجد عسكري على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر (ممر فيلادلفي)... في بعض الأماكن، قد تتطلب الاعتبارات الأمنية توسيع المنطقة التي يجري فيها النشاط العسكري."[6] 

 وهكذا، لن يستمر التواجد العسكري فحسب، بل إنه سيتوسع.  وتثير التصريحات التي صدرت مؤخراً فيما يتعلق بحفر خندق على طول الشريط الحدودي القلق فيما يتعلق بتوسيع التواجد العسكري الإسرائيلي في هذه المنطقة.[7]وقد شهدت هذه المنطقة من مخيم رفح على طول الحدود مع مصر نشاطاً عسكرياً إسرائيلياً مكثفاً، خاصة في صورة عمليات تدمير للمنازل، حيث تمت إقامة منطقة عازلة واسعة موازية للشريط الحدودي بعد هدم المنازل الفلسطينية في المنطقة.  وتمتد هذه المنطقة العازلة إلى نحو 200 متر بداية من الشريط الحدودي، وهو ما نجم عنه تدمير مئات المنازل التي تعود للاجئين، وهي الآن "منطقة نشاط عسكري" لا يسمح للفلسطينيين بدخولها. 

 ويرد في الخطة بشكل واضح أن إسرائيل ستحتفظ بالسيطرة على المجال الجوي، والبحر، وكافة الحدود البرية، حيث تذكر رسالة الرئيس الأمريكي حول الخطة ما يلي:

 "... بعد أن تنسحب إسرائيل من غزة و/أو أجزاء من الضفة الغربية، وبانتظار التوصل إلى اتفاقيات حول ترتيبات أخرى، ستستمر الترتيبات  الحالية فيما يتعلق بالسيطرة على المجال الجوي، والمياه الإقليمية، والمعابر البرية للضفة الغربية وغزة."[8]

 قرار السلطات الإسرائيلية بمنع إعادة فتح مطار رفح الدولي هو مؤشر على نواياها لمنع حرية حركة الأشخاص والخدمات والبضائع من وإلى قطاع غزة.  وعلاوة على ذلك، لن يسمح للصيادين الفلسطينيين بالإبحار خارج منطقة تمتد 8-10 كيلومترات من شاطئ غزة، والتي تقوم فيها البحرية الإسرائيلية بأعمال الدورية.[9] ويمنع الصيادون أيضاً من الإبحار إلى مسافة تزيد عن نصف امتداد المياه الإقليمية لقطاع غزة، وهذا أيضاً يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى مصادر الغاز الطبيعي في مياههم الإقليمية.  لنربط ذلك مع تدمير الميناء الدولي في غزة (ورفض المطلب المصري للسماح بإعادة بنائه)، فيصبح من الواضح أن دولة الاحتلال ستزيد مستوى الخنق للحياة الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة. 

 في موازاة "خطة الانفصال"، تقدمت إسرائيل بطلب إلى البنك الدولي لنقل معبر رفح الدولي إلى المناطق الإسرائيلية.  على الرغم من معارضة المصريين للخطة، الذين هنالك حاجة إلى موافقتهم، إلا أن هدف إسرائيل هو ممارسة السيطرة القانونية والعسكرية الكاملة على مرور الفلسطينيين وبضائعهم.  إذا نجحت هذه الإستراتيجية، فإن الاغلاقات والقيود والإهانات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ستكون تحت سيادة إسرائيل ولن تخضع لمراقبة المجتمع الدولي.  من الناحية الفعلية، سيشكل نقل معبر رفح المرحلة الأخيرة في عملية عزل قطاع غزة عن بقية أنحاء العالم. 

 وستزداد القيود المشددة على تصدير المنتجات الزراعية والمنتجات الأخرى من غزة، لأن قوات الاحتلال ستحتفظ بالسيطرة على الحدود والمعابر.  علاوة على ذلك، ألزمت إسرائيل نفسها بإنهاء توجه العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل بحلول عام 2008.  مع ذلك، فالإغلاق المشدد لحاجز إيرز في شمال غزة يعني أصلاً بأن هؤلاء العمال ممنوعون من الوصول إلى أماكن عملهم بشكل يومي.  إن الخنق المتواصل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة سيتصاعد في حال تطبيق الخطة المقترحة. 

 قطاع غزة هو منطقة محتلة معزولة، تتم معاملاتها التجارية في أحسن الظروف، من خلال ميناء بور سعيد ومطار القاهرة في مصر.[10] سيصبح ذلك حسب "خطة الانفصال" أكثر صعوبة خاصة إذا تم نقل معبر رفح.  ومن شأن هذا الخنق الاقتصادي المتصاعد أن يؤدي إلى زيادة معاناة الفلسطينيين بينما يتم الترويج لوهم الانسحاب لدى المجتمع الدولي، وسيكون لهذه المعاناة الاقتصادية المتزايدة تأثيرات متعددة، فهي بالدرجة الأولى ستدفع مئات آلاف الفلسطينيين إلى مغادرة قطاع غزة بصورة دائمة.  ثانياً، بالنسبة للفلسطينيين الذين سيبقون في غزة، ستصبح الحياة لا تطاق، وسيدفع هذا المستوى من المعاناة بعض العناصر في المجتمع الفلسطيني إلى رد فعل سياسي، والأهم رد فعل عسكري، لا مفر منه، وسيشكل رد الفعل هذا مبرراً إضافياً لإسرائيل لكي تصعّد أنشطتها العسكرية (والتي تظهر في أشكال متعددة من المخالفات للقانون الإنساني: العقاب الجماعي، والإعدامات خارج نطاق القضاء، والهجمات غير المتناسبة والعشوائية على المدنيين).  وتذكر الخطة هذا الاحتمال عندما تحدّد بأن إسرائيل ستحتفظ بالحق في القيام بإجراءات عسكرية في قطاع غزة:

 "تحتفظ إسرائيل لنفسها بالحق الأساسي في الدفاع عن النفس، بما في ذلك اتخاذ خطوات وقائية والرد باستخدام القوة ضد التهديدات التي ستنطلق من قطاع غزة."

 من الناحية الفعلية، وحسب الخطة كما نشرت حتى الآن، فإن وضع قطاع غزة كأرض محتلة لن يتغير، فالمادة 42 من اتفاقية لاهاي الرابعة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب على الأرض لعام 1907 تنص على أن:

 "المنطقة تعتبر محتلة عندما تكون من الناحية الفعلية خاضعة لسلطة جيش معادٍ، ويشمل الاحتلال فقط المناطق التي تنشأ وتمارس فيها تلك السلطة."

 تجادل إسرائيل بأن هذه الخطة ستعمل على "تبديد الادّعاءات بشأن مسئولية إسرائيل عن الفلسطينيين في قطاع غزة." وتظهر السياسات والممارسات الإسرائيلية بأن إسرائيل تحتفظ حالياُ بالسلطة الفعلية في قطاع غزة، وتشير تفاصيل الخطة بشكل قوي إلى أن من غير المرجح أن تزول هذه السلطة بل إنها ستتعزز.  بالتالي فإن احتلال قطاع غزة سيتواصل حتى في حال تنفيذ هذه الخطة وستظل اتفاقية جنيف الرابعة منطبقة، حيث تنص المادة السادسة من الاتفاقية على أن قوة الاحتلال ملزمة بالاتفاقية إلى أن يأتي الوقت وينتهي الاحتلال. 

 حتى في حال تنفيذ هذه الخطة، ستبقى إسرائيل قوة احتلال عليها التزامات واضحة وكثيرة تجاه السكان المدنيين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي سيظلون أشخاصاً محميين وفقاً للمادة 4 من اتفاقية جنيف الرابعة:

 "الأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية هم أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل كان، في حالة قيام نزاع أو احتلال، تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه، أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها."

 الضم غير المشروع للأراضي المحتلة

 إن برنامج الاستيطان الإسرائيلي، الذي يشمل المستوطنات، والمواقع الاستيطانية، والبنية التحتية الاستيطانية، بما في ذلك المواقع العسكرية، يشكّل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني، فنقل جزء من سكان قوة الاحتلال إلى المنطقة التي تحتلها هو مخالفة جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة، وبمثابة جريمة حرب حسب المادة 85 من البرتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف.  وتخالف المستوطنات مبدأ عاماً في القانون الدولي وهو أن قوة الاحتلال لا يمكنها تغيير طبيعة المنطقة التي تحتلها باستثناء الضرورة العسكرية، وفي حال أن تلك التغييرات من شأنها أن تفيد السكان الواقعين تحت الاحتلال. 

 إن برنامج إسرائيل الاستيطاني، بما في ذلك السياسات والممارسات المطبقة من أجل استمراريته، لا يفيد السكان الفلسطينيين، ولا يمكن اعتباره ضرورة عسكرية.  وقد أكدت الأجسام الدولية والأجسام البين-حكومية، بما فيها الأمم المتحدة، بشكل متكرر بأن المستوطنات تشكل مخالفة جسيمة للقانون الدولي الإنساني وجريمة حرب. 

 مع ذلك، تؤكد "خطة الانفصال" بوضوح نوايا الحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالضم غير المشروع للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية:

 "من الواضح بأن هنالك مناطق في الضفة الغربية ستكون جزءاً من دولة إسرائيل، بما في ذلك مدن، وبلدات، وقرى، ومناطق ومواقع أمنية، وأماكن أخرى فيها مصلحة خاصة لإسرائيل."[11]

 ولقي هذا التعبير الأخير عن أهداف الضم الإسرائيلية تأييداً في تصريح أدلى به الرئيس الأمريكي:

 "في ضوء الحقائق الجديدة على الأرض، بما في ذلك المراكز السكانية الرئيسية الموجودة أصلاً، فإن من غير الواقعي أن نتوقع بأن نتيجة مفاوضات الوضع النهائي ستكون عودة كاملة إلى خطوط الهدنة لعام 1949."

 إن "جدار الضم" الذي تقوم إسرائيل ببنائه حالياً هو التعبير الأبرز عن سياسة الضم التي تتبناها إسرائيل.  وقد صرح مقرر الأمم المتحدة الخاص للأراضي الفلسطينية المحتلة جون دوغارد بأن "الهدف الرئيسي من الجدار هو ضم، وإن كان بوسائل الأمر الواقع، أراضٍ أخرى إلى دولة إسرائيل."[12] وتنص الخطة على تسريع بناء جدار الضم.  وتدعي إسرائيل، حتى في هذه الخطة، بأن الجدار هو:

 "حاجز أمني وليس سياسياً، مؤقت وليس دائماً، وبالتالي فهو لن يضر بأي من قضايا الوضع النهائي، بما فيها الحدود النهائية."

 ولكن هذه الادعاءات تتناقض كلياً مع الحقائق على الأرض، حيث يتم بناء الجدار في عمق أراضي الضفة الغربية وليس على طول الخط الأخضر الذي يشكل حدود عام 1967، وتقدر تكلفة بنائه بنحو 4.7 مليون دولار لكل كيلومتر واحد،[13] وشملت عملية البناء تدمير مساحات واسعة من الأراضي والمحاصيل الزراعية، وتدمير المنازل والبنية التحتية والمنشآت المدنية، ويتألف الجدار من أبنية من الاسمنت المسلح بارتفاع 8 أمتار، وخنادق، وأسيجة الكترونية، وتجهيزات مراقبة معقدة، وطرق.  بالتالي، فإن الجدار ليس حاجزاً مؤقتاً، ولا يتم بناؤه لأسباب أمنية.  نقلت صحيفة هآرتس عن نائب المدعي العام الإسرائيلي مالخييل بالاس قوله بأنه حتى إذا توقفت عمليات تسلل الجماعات المسلحة الفلسطينية إلى إسرائيل بصورة كاملة، فإن الحكومة فقط "ستزيل أجزاء" من الجدار.[14] وهذا يشكل دليلاً إضافياً على أن الحكومة الإسرائيلية تسعى إلى إقامة الجدار كبناء دائم. 

 إن الاستراتيجية التي تقف وراء "خطة الانفصال" مرتبطة بشكل وثيق بالاستراتيجية التي تقف وراء "جدار الضم." تقضي الخطة الإسرائيلية بإعادة الانتشار من 4 مستوطنات في الضفة الغربية، ولكن سيرافق ذلك ضم شامل لأجزاء واسعة من الضفة الغربية بحيث يكون الأثر الإجمالي هو فرض نظام قيود مماثل على الضفة الغربية: قيود على حرية الحركة، وانتهاك الحق في الغذاء والحق في المياه، وتدمير الحياة الاجتماعية والثقافية، وفرض معاملة قاسية وغير إنسانية ومهينة (خاصة على الحواجز)، واستئصال فرص العمل والتعليم.[15] 

 تواصل إسرائيل السماح لاعتباراتها السياسية والعسكرية بتجاوز القانون الدولي الإنساني، ويدل على ذلك الإدانة التي صدرت عن وزارة الدفاع لملاحظات المدعي العام الإسرائيلي بأن على إسرائيل أن "تبحث بصورة كاملة" إمكانية التطبيق القانوني لاتفاقية جنيف الرابعة.  وقد أخبر المدعي العام بأن إدارته لا تفهم أمور "الدفاع والأمن".  إن الرفض الإسرائيلي لتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ينبع من الرغبة في تأكيد سيطرة إسرائيل المطلقة على الوضع القانوني والسياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبينما تصر إسرائيل على حقها في تقرير المستقبل القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال التخلي عن العملية التفاوضية، فإنها تحتفظ بالسيطرة القانونية الكاملة على الأراضي الفلسطينية المحتلة (على الرغم من محاولاتها إنكار هذه المسئولية من خلال ادعاء "الانسحاب").

 بسبب أوهام "الانسحاب"، حرفت "خطة الانفصال" الأنظار عن تنفيذ الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية حول الجدار، ووفرت مساحة للسلطات العسكرية والسياسية الإسرائيلية من أجل تسريع بناء الجدار، وهو ما يعني خلق "حقائق على الأرض." وكما ذكر سابقاً، فإن استخدام مبرر "الأمن" لبناء الجدار قد تقوّض بشكل كامل بفعل فشل النموذج الأمني في غزة.  والهدف الإستراتيجي الرئيسي هو ضم مناطق والخنق الاقتصادي والاجتماعي للضفة الغربية. 

 اللاجئون

 كجزء من الخطة ذي مدى أبعد، يبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة قد توصلتا إلى اتفاق حول قضية اللاجئين، فقد ذكر الرئيس الأمريكي في رسالته إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي:

 "يبدو من الواضح بأن هنالك حاجة إلى إطار متفق عليه، وعادل، ونزيه، وواقعي لحل لقضية اللاجئين الفلسطينيين كجزء من أي اتفاق حول الوضع النهائي من خلال إقامة دولة فلسطينية، واستقرار اللاجئين الفلسطينيين فيها بدلاً من إسرائيل."

 إن حق العودة لأولئك الذين تم نفيهم من منازلهم يكفله القانون الدولي، فالمادة 12-4 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي تعتبر إسرائيل دولة طرفاً فيه، تنص بشكل محدد على أنه "لا يجوز حرمان أحد، تعسفاً، من حق الدخول إلى بلده." وقد فسرته لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على أنه يشمل:

 "على الأقل شخصاً لا يمكن اعتباره مجرد غريب بسبب علاقاته الخاصة أو ادعاءات بوجود علاقة له مع بلد معين.  وهذه هي الحال، على سبيل المثال، بالنسبة لرعايا بلد جردوا من جنسيتهم في انتهاك للقانون الدولي، وبالنسبة للأشخاص الذين يندمج أو ينتقل بلدهم الأم إلى كيان وطني آخر لا يمنحهم الجنسية.[16]"

 إن نية إسرائيل تسكين اللاجئين الفلسطينيين خارج الأراضي التي تم نفيهم منها يخالف الحقوق الأساسية للاجئين، بما فيها الحق في التعويض والحق في اختيار العودة إلى الأراضي التي تم نفيهم منها أو أي مكان آخر.      

الخلاصـة

 إن هذه الخطة التي اقترحها رئيس الوزراء الإسرائيلي هي محاولة للالتفاف على التزامات إسرائيل القانونية المطلقة كدولة احتلال، حيث تطرح السلطات الإسرائيلية، تساندها الولايات المتحدة، تحركاً أحادي الجانب ينكر حق العودة، ويؤدي إلى استمرار الأنشطة العسكرية، ومواصلة حصار وإغلاق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وزيادة الخنق الاقتصادي والاجتماعي للمدنيين الفلسطينيين، وهو ما يعني السيطرة على كافة مظاهر الحياة الفلسطينية.  بالتالي، فإن هذه المبادرة تتعارض كلياً مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. 

 كمبادرة تقوض الالتزامات القانونية الأساسية كما حددها القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن تأييد دول أخرى، خاصة الولايات المتحدة، لهذه الخطة يثير قضايا خطيرة فيما يتعلق بالتزاماتها القانونية، خاصة كأطراف سامية متعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة، حيث تضع المادة الأولى من الاتفاقية التزاماً مطلقاً على عاتق كافة الأطراف السامية المتعاقدة باحترام الاتفاقية وضمان احترام الاتفاقية.  فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة، يلزم ذلك الأطراف السامية المتعاقدة بضمان احترام إسرائيل للاتفاقية، وأن تحترم هي الاتفاقية في نشاطاتها المتعلقة بالأراضي الفلسطينية المحتلة.  وعدم العمل على ضمان احترام إسرائيل للاتفاقية هو خرق لهذا الالتزام.  وقد يحدث خرق آخر إذا ساندت إحدى الدول الانتهاكات الإسرائيلية للاتفاقية، بما فيها تلك التي ترتكب في سياق "خطة الانفصال."

 وعليه، يدعو المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الأطراف السامية المتعاقدة على الاتفاقية إلى المطالبة بحل للوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة يستند إلى القانون الدولي، بما في ذلك تنفيذ بنود اتفاقية جنيف الرابعة إلى أن يزول الاحتلال.  ويمكن لسلام عادل ودائم في المنطقة أن ينجح فقط إذا كان قائماً على أساس تحقيق الحقوق التي يكفلها القانون الدولي للسكان المدنيين الفلسطينيين، بما فيها حقوق اللاجئين، وعدم السماح بالاستيلاء على أراضٍ بالقوة، والحق في تقرير المصير. 

 توصيات المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إلى المجتمع الدولي فيما يتعلق بـ "خطة الانفصال":

  1)     التطبيق الكامل لاتفاقية جنيف الرابعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل قانوني، حتى بعد أية إعادة انتشار للقوات الإسرائيلية.

 2)     إنهاء الخنق الاقتصادي والاجتماعي لقطاع غزة على الفور، من خلال السيطرة الكاملة على الجو والبحر والبر. 

 3)     تنفيذ الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بجدار الضم في الضفة الغربية كإجراء وقائي لمنع تصاعد الخنق الاقتصادي والاجتماعي للضفة الغربية، على غرار "نموذج غزة".

  4)      إنهاء الاحتلال ونقل السيادة بصورة شاملة وحقيقية إلى الشعب الفلسطيني، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. 

 5)     تضمين القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني كجزء لا يتجزّأ في أية تسوية نهائية حول مستقبل فلسطين. 

الهوامش:

 [1]     الكلمة العبرية التي تستخدم لوصف الخطة هي "هتنتكوت" وتعني حرفياً "القطع" أو "النفصال"، وهذا يوضح نية السلطات الإسرائيلية التخلص من مسئولياتها السياسية والقانونية تجاه المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، وفصل قطاع غزة عن باقي أنحاء العالم وبالتالي زيادة خنق المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

[2]     راجع "خطة الانفصال – الإطار العام"، 18 إبريل 2004، متوفرة على الموقع الالكتروني: www.mfa.gov.il.   سترجع هذه الورقة أيضاً إلى الرسائل المتبادلة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأمريكي خلال اجتماع 14 إبريل 2004، ورسالة من مدير مكتب رئيس الوزراء إلى مستشارة الأمن القومي الأمريكية.

[3]     راجع: "خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي في مؤتمر هرتسيليا/ ترجمة"، 18 ديسمبر 2003، متوفر على الموقع الالكتروني www.pmo.gov.il.

[4]     حسب اتفاقيات أوسلو الموقعة في 13 سبتمبر 1993، كانت منظمة التحرير هي الشريك في المفاوضات مع إسرائيل نيابة عن الشعب الفلسطيني، وكانت السلطة الوطنية الفلسطينية نتاجاً لهذه الاتفاقيات.  إن خطة إعادة انتشار القوات الإسرائيلية حول قطاع غزة هي الوجه الأحدث للاستراتيجية الإسرائيلية التي تسعى إلى استبعاد منظمة التحرير الفلسطينية من العملية التفاوضية، حيث وضعت الخطة بدون الرجوع إلى السلطة الوطنية الفلسطينية أو استشارتها (وهو ما يتعارض مع شروط خارطة الطريق).  وفي واقع الأمر، تتحدث المصادر الاسرائيلية عن توجه اسرائيل لتسليم المستوطنات إلى البنك الدولي أو لجهات دولية أخرى، وهذا مؤشر آخر على رغبة السلطات الإسرائيلية في استبعاد السلطة الوطنية الفلسطينية، وإنهاء أية فرصة لتحقيق السيادة، ومحاولة نقل المسئولية عن غزة إلى جهة دولية (وهي محاولة إسرائيلية للتنصل من المسئولية، التي تظل واضحة حسب القانون الدولي الإنساني).

[5]     "القرى والبلدات الإسرائيلية" المشار إليها هي في واقع الأمر المستوطنات الإسرائيلية التي تشكل مخالفة جسيمة للقانون الدولي الإنساني.  راجع المادة 49، الفقرة الربعة، من اتفاقية جنيف الرابعة حول نقل الأشخاص إلى الإقليم المحتل.

[6]     "توسيع المنطقة التي يجري فيها النشاط العسكري" يمكن أن يفهم بأنه هدم الممتلكات المدنية، بما فيها المنازل، والأراضي الزراعية، والمدارس، وملاعب الأطفال، ومنشآت الأعمال وغير ذلك. 

[7]     راجع هارئيل، عاموس، "جيش الدفاع الإسرائيلي يخطط لحفر خندق على طول طريق فيلادلفي"، صحيفة هآرتس، 28 إبريل 2004. 

[8]     استخدام كلمة "انسحاب" هو دليل على الفجوة القائمة بين نص وواقع هذه الخطة، فالخطة لا تتضمن "الانسحاب" بل إنها تعزز الاحتلال.

[9]     يمنع الصيادون أيضاً من الإبحار إلى مسافة تتجاوز ثلاثة أميال إلى الجنوب من مدينة غزة.  حتى عام 2003، منع الصيادون من النزول إلى البحر لمدة تتجاوز في مجموعها 600 يوم.

[10]    يبعد ميناء بورسعيد 275 كيلومتراً عن رفح.  من المتوقع أن يسافر المدنيون الفلسطينيون على طول غزة، والانتظار على معبر رفح كي يسمح لهم الجيش الإسرائيلي بالمرور، ثم يسافرون هذه المسافة عبر الصحراء قبل أن يكون بإمكانهم الوصول إلى ميناء بورسعيد.  في ظل وضع من هذا القبيل، ستتلف المنتجات الزراعية، التي هي بشكل عام عرضة للتلف، وبالتالي سيصبح من المستحيل تصدير البضائع من غزة. 

[11]    إن العديد من مستوطنات الضفة الغربية مبنية من أجل السيطرة على نقاط إستراتيجية، كمصادر المياه التي يحرم منها الفلسطينيون.  وهذا ما تعنيه عبارة "أماكن فيها مصلحة خاصة لإسرائيل."

[12]    راجع UN doc. E/CN.4/2004/6/Add.1.، 27 فبراير 2004.

[13]    9 نوفمبر 2003، كتيبات حقائق، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية. 

[14]    صحيفة هآرتس، 25 أغسطس 2004، يوفال يوآز.

[15]    تشكل جميعها مخالفات للإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المواد 5، 17، 23، 25، 26، 27)، والعهود والإعلانات المرتبطة به.

[16]    لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 27 (1999)، الفقرة 20. 


(*)  مدير دائرة الشؤون الإسرائيلية في مركز التخطيط الفلسطيني .

(*)  مدير المركز الفلسطيني لحقوق الانسان .

(1)  انظر الملحق .

(*)  قانوني  فلسطيني .

(*)  عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

(*)   لواء متقاعد .

(*)  مستشار قانوني في المجلس التشريعي الفلسطيني .

(*)  مدير عام  هيئة الاستعلامات الفلسطينية.

(*)  ناشط  قانوني .

(*)  سياسي فلسطيني فاعل.

 


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
04/02/2006 10:22 ص