الوضع الأمني أثناء الحملة الانتخابية

سوزان عقل

شكلت حالة غياب الامن في الأراضي الفلسطينية وتصاعد المواجهات مع إسرائيل تهديداً مزدوجا للانتخابات التشريعية، وقد بدأت الحملة الانتخابية وسط شكوك متزايدة بإمكانية إجرائها في موعدها المحدد. حيث كرر قادة فلسطينيون مطالبتهم بتأجيل الإنتخابات المقررة في 25/1/2006 ما لم تتحسن الأوضاع الأمنية التي سادت المنطقة خاصة بعد انطلاق الحملة الانتخابية.

وقد عقدت اللجنة المركزية لحركة فتح جلسة طارئة في 1/1/2006، للبحث في الوضع في الأراضي الفلسطينية تمهيداً للانتخابات، وقال مسئولون بارزون في حركة فتح أنه ينبغي للرئيس محمود عباس أن يرجئ الإنتخابات إذا لم تتوقف الفوضى في قطاع غزة، وإذا منعت إسرائيل سكان القدس الشرقية من التصويت. وقال عباس زكي أن معظم أعضاء اللجنة المركزية وقعوا مذكرة داخلية تتضمن توصية بتأجيل الإنتخابات.

وقد أجرى كبار المسئولين في فتح محادثات مع حركة حماس حول تأجيل الإنتخابات لعدة شهور بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة، حيث عرض رئيس الوزراء احمد قريع على ممثلين من حركة حماس القبول بفكرة التأجيل مقابل تشكيل حكومة طوارئ وطنية تشارك فيها حماس، إلا أن حماس رفضت الفكرة معتبرة أن ذلك محاولة من فتح للالتفاف حول نتائج متوقعة للإنتخابات لصالحها.

وقال د.نبيل شعث وزير الإعلام والمكلف برئاسة الحملة الانتخابية لفتح أنه "يتفهم تخوفات البعض بخصوص العقبات التي تضعها إسرائيل بوجه الإنتخابات"، وأضاف أنه "رغم كل العقبات علينا أن نبذل كل الجهود وفي جميع الاتجاهات من اجل أن تجري الإنتخابات في موعدها". ونفى شعث الأنباء التي تحدثت عن مطالبته وأعضاء من قادة فتح الرئيس عباس بتأجيل الانتخابات. وقد ابلغ الرئيس عباس خلال اجتماعه مع قادة الفصائل والقوى بأن الإنتخابات ستجري في موعدها، أما إذا واصلت إسرائيل وضع العقبات أمام إجرائها فإن الرئيس سيعود للاجتماع بهم ليقرر الموقف المناسب مع تطورات الأحداث، حيث  أكد شعث أن الرئيس عباس حريص على أن يكون قرار إجراء الإنتخابات أو تأجيلها قراراً وطنياً[1].

حالات الفلتان الأمني التي وقعت مع بدء الحملة الانتخابية

في 1/1/2006، ومع بدء العام الجديد تواصلت عمليات الخطف ضد الأجانب والاعتداءات على المؤسسات الدولية في قطاع غزة، فقد خُطف ناشط السلام الإيطالي اليساندرو برنارديني والذي كان ضمن وفد برلماني أوروبي يتألف من 19 شخصاً معظمهم من الإيطاليين يزورون قطاع غزة. وتم الإفراج عن برنارديني بعد ساعات من اختطافه. وفي ذات اليوم فجراً اقتحم عدد من المسلحين والملثمين نادياً خاصاً تابعاً للأمم المتحدة في غزة وقاموا بتحطيم محتوياته وتفجيره، ولم يكن أحد من الأجانب موجودا في النادي[2].

وفي 2/1/2006 قام عشرات المسلحين بإغلاق معظم المؤسسات الحكومية في رفح مطالبين السلطة الوطنية بمحاكمة قتلة شرطي سقط يوم 30/12/2005، أثناء أدائه لعمله، فيما أحبط مواطنون والشرطة محاولة خطف يابانيين في رفح، وفي خانيونس اشتبكت قوات من الأمن الوطني مع مجموعة من المسلحين بعد أن احتجزت سيارتين للشرطة للمطالبة بالإفراج عن أحد المعتقلين لدى الامن الوطني على خلفية اختطاف المواطن الإيطالي[3].

وفي 3/1/2006، اقتحم مسلحين مكتباً حكومياً في قطاع غزة احتجاجاً على اعتقال مشتبه به في خطف ثلاثة بريطانيين، كما اقتحم أفراد من كتائب شهداء الأقصى مبنى وزارة الداخلية في مدينة رفح، مطالبين بإطلاق سراح زميلهم علاء الهمص على خلفية الخطف.

وفي نفس اليوم أصيب أحد أفراد الامن بجراح أثناء قيام متظاهرين من حركة فتح بالاحتجاج على طريق صلاح الدين قرب معبر رفح الحدودي على مقتل شرطي قبل أيام والمطالبة بمحاكمة قتلة الشرطي وإنهاء الفوضى[4].

وفي 4/1/2006، قتل اثنان من حرس الحدود المصريين وأصيب 4 آخرون خلال اشتباك مع مسلحين فلسطينيين بالقرب من معبر رفح عندما قام ناشطون مسلحون من كتائب شهداء الأقصى بهدم قسم من الجدار الإسمنتي على الحدود باستخدام جرافة وذلك احتجاجاً على توقيف زميل لهم من قبل أجهزة الأمن.

وتدفق المواطنون عبر الحدود إلى الأراضي المصرية، فيما قام عناصر مسلحون من حركة فتح بتحركات في رفح مطالبين الإفراج عن قائد مجموعة مسلحة تابع للحركة بعدما أوقف لتورطه في خطف ثلاثة بريطانيين. وقام المسلحون بمنع المواطنين من السفر عبر معبر رفح، كما احتلوا مكتباً تابعاً للجنة الإنتخابات وأقفلوا مقار رسمية منها مبنى وزارة الداخلية ومقار المحكمة المدنية ومكاتب البريد ومبنى المحافظة ومبنى البلدية ومقر لجنة الإنتخابات.

وتصاعدت أعمال الفوضى في قطاع غزة، حيث تعرض أيضاً مواطنان أمريكيان لمحاولة خطف في رفح على أيدي مسلحين من كتائب شهداء الأقصى إلا أن الأهالي أحبطوا المحاولة.

وفي شمال غزة قتل ناشط من حركة حماس في اشتباك بين مسلحين من الحركة وعناصر من فتح في منطقة الشيخ رضوان على خلفية تعليق ملصقات للحملة الانتخابية[5].

وفي 7/1/2006، قتل مواطن وأصيب ثلاثة بجراح خلال صدامات بين عناصر من الشرطة ومسلحين في قطاع غزة أرادوا اقتحام مبنى تابع للسلطة الوطنية في غزة[6].

وفي 9/1/2006 قتل مواطن وأصيب اثنان آخران بجروح خلال اشتباك مسلح مع عناصر من الشرطة عندما حاولت مجموعة من المسلحين اقتحام مكتب التعبئة والتنظيم التابع لحركة فتح في مدينة غزة[7].

وفي 24/1/2006، قتل ناشط من حركة فتح في نابلس على خلفية تعليق صورة لأحد مرشحي الحركة في رفيديا، وفي نفس اليوم قتل مواطن وسط مدينة غزة عندما أطلق الرصاص باتجاهه من سيارة مسرعة[8].

وبذلك يمكن القول بأن حالة فوضى أمنية عارمة واكبت الاستعدادات للعملية الانتخابية، مما أشاع جو من التخوف والقلق لدى القيادة الفلسطينية. ومع تفاقم عجزها عن ضبط الأوضاع الأمنية المنفلتة، سادت أجواء من القلق والتخوف لدى المواطنين وصلت إلى حد الإحساس بفقدان الأمن الشخصي، مما ألقى ظلالاً وشكوكاً حول إمكانية إجراء الإنتخابات التشريعية في أفضل الظروف، كما كانوا يأملون.

الاستعدادات الأمنية ليوم الإنتخابات

أكدت وزارة الداخلية الفلسطينية أن الاستعدادات جارية على قدم وساق لإجراء الإنتخابات التشريعية في الموعد المحدد، وانه تم وضع الخطط الأمنية اللازمة لهذا الغرض والتي شاركت فيها مختلف اذرع المؤسسة الأمنية. وحذرت الوزارة في بيان أصدرته من الهجمة التصعيدية الهادفة لإشعال نار الفتنة وتعميم حالة من الخوف في الشارع، وتقديم صورة سوداوية أمام المواطن بشأن الإنتخابات. واعتبرت الوزارة أن التهديدات بتفجير الوضع الداخلي ودفعه نحو الحرب الأهلية مسألة يجب الوقوف أمامها بجدية[9].

وقد قررت أجهزة الامن والشرطة إعلان حالة الطوارئ ونشر 13 ألف شرطي في كافة المناطق قبل ثلاثة أيام من الإنتخابات لضمان نجاحها ومنع حدوث تجاوزات أو أعمال عنف. وقال مدير عام الشرطة العميد علاء حسني "أنه تم وضع خطة أمنية متكاملة لحماية كافة مراكز وصناديق الاقتراع ووزعت المهام على كافة الأجهزة الأمنية".

وتضمنت الخطة عدم السماح بالظهور المسلح لأي كان غير رجال الأمن والشرطة في محيط أو داخل المراكز الانتخابية، وان تتولى الأجهزة الأمنية الأخرى كل حسب تخصصه إكمال الحلقات الأمنية الأخرى خارج دائرة الصناديق لحماية العملية الانتخابية بكاملها وتمرير أية معلومات عن أية جهة تحاول الإخلال بالعملية الانتخابية "كما شدد العميد حسني على أنه لن نسمح لأي مرافقين مسلحين للمسؤولين أو الشخصيات بدخول مراكز الإنتخابات" ونحن كشرطة سنقوم بتأمين حماية الشخصيات أثناء تواجدها داخل مراكز الاقتراع".

وقال توفيق أبو خوصة الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية "هناك تعليمات واضحة من السيد الرئيس محمود عباس ووزير الداخلية بالتعامل مع أي تجاوز أو محاولة اعتداء أو تخريب بحزم ومسؤولية وبقوة القانون"، وأوضح أبو خوصة "أن أي سلاح يبرز يوم الإنتخابات غير السلاح الشرعي سيتم التعامل معه بحزم"[10].

وفي 19/1/2006، وقعت حركتا حماس وفتح اتفاقاً يتضمن دعوة شعبنا بكافة أطيافه إلى المشاركة الواسعة في الانتخابات، ودعا الاتفاق إلى ضرورة الالتزام بعدم ظهور السلاح في يوم الإنتخابات من جميع الفصائل والقوى، مؤكدا أنه سيتم الاتفاق وطنياً مع كافة القوى والفصائل لوضع هذا الاتفاق وكافة الاتفاقيات الوطنية وفق آليات يتفق عليها بين القوى والفصائل، وبالتعاون الكامل مع السلطة الوطنية"[11].

وفي 20/1/2006، استقبل الرئيس محمود عباس في مقر الرئاسة برام الله د.حنا ناصر رئيس لجنة الإنتخابات المركزية، واستمع الرئيس من اللجنة إلى شرح حول الاستعدادات لإجراء العملية الانتخابية والبدء في 21/1/2006 باقتراع أفراد أجهزة الامن والشرطة والتي تستمر ثلاثة أيام وذلك كي يتسنى لهم حفظ الأمن والنظام في يوم الإنتخابات. ومن جانبه أكد الرئيس أنه تم اتخاذ كافة الإجراءات لضمان سير العملية الانتخابية والحفاظ على حريتها ونزاهتها[12].

ومن جانبها أعلنت الأجنحة العسكرية للفصائل الوطنية والإسلامية التزامها بحماية الإنتخابات وضمان حسن سيرها معلنة براءتها من أي فعل يستهدف عملية الإنتخابات. وقالت أن كل من يقدم على أية محاولة للعبث ومحاولة تخريب الإنتخابات هو "خائن ومشبوه" مشددة أن مسؤولية حفظ "الأمن يوم الإنتخابات ستقتصر على الأجهزة الأمنية، وان الأجنحة المسلحة ستقوم بالتعاون مع الأجهزة الأمنية لما فيه المصلحة العامة". وقد جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده ممثلون عن الأجنحة المسلحة للفصائل الوطنية والإسلامية ووقع على الميثاق كتائب القسام وكتائب شهداء الأقصى وكتائب أبو علي مصطفى ولجان المقاومة الشعبة وكتائب احمد أبو الريش والمقاومة الوطنية.

 وتلا أبو أدهم أحد قائدة كتائب شهداء الأقصى المحسوبة على حركة فتح ميثاق الشرف الذي جاء فيه أن "الإنتخابات مقدمة لبداية مرحلة جديدة من عمر شعبنا وقضيتنا تحمل معها الكثير من الآمال في الإتجاه نحو مستقبل أفضل يطوي صفحة الماضي الأليم ويضع الأساس لحياة فلسطينية يسودها الانسجام والوفاق على أرضية التعددية والشراكة السياسية". وشددت الأجنحة المسلحة في ميثاق الشرف على ضرورة اعتبار هذا اليوم "يوماً هاماً في تاريخ شعبنا يمارس فيه حقه في اختيار ممثليه في المجلس التشريعي بحرية مطلقة ويضع الأساس لمرحلة جديدة". وأكدت دعمها لقرار "السلطة الوطنية بحماية سير العملية الديمقراطية والحفاظ على سلامتها". كما أكدت التزامها واحترامها لكافة القوانين والإجراءات الخاصة بالعملية الديمقراطية معلنة براءتها الكاملة من أي عناصر قد تحاول العبث والتخريب وإثارة الفوضى.

 كما دعا الميثاق جماهير الشعب الفلسطيني على اختلاف انتماءاته وتوجهاته التنظيمية، إلى أوسع مشاركة في هذا العرس الديمقراطي، وقال "إننا معكم وبينكم وحولكم في كل مكان ونطمئنكم أننا لن نسمح لأي مارق أو مدسوس أن يصادر حقكم هذا في الانتخاب والاختيار لمن ترونه جديراً بتمثيلكم وحمل أمانة المسؤولية".[13]

وفي 25/1/2006، توجه أكثر من مليون و300 ألف ناخب إلى صناديق الاقتراع، وقد سارت عملية الاقتراع بشكل جيد واتسمت بالهدوء والنزاهة رغم تسجيل المراقبين لبعض التجاوزات والشكاوى البسيطة حول عملية الاقتراع، وقد تمت العملية الانتخابية في أجواء أمنية مثالية هادئة، وكانت سليمة ولم تسجل أعمال عنف باستثناء بعض القيود الإسرائيلية في القدس الشرقية. حيث أشادت دول عربية وأوروبية ودولية بنزاهة العملية الانتخابية وبالنضج السياسي الذي أظهره الناخبون خلال عملية التصويت.

 الهوامش : 


[1] الحياة الجديدة، 2/1/2006.

[2] الحياة الجديدة، 2/1/2006

[3] الحياة الجديدة، 3/1/2006.

[4] الحياة الجديدة، 4/1/2006.

[5] الحياة الجديدة، 5/1/2006.

[6] الحياة الجديدة، 8/1/2006.

[7] الحياة الجديدة، 10/1/2006.

[8] الحياة الجديدة، 25/1/2006.

[10] الحياة الجديدة، 20/1/2006.

[11] الحياة الجديدة، 19/1/2006.

[12] الحياة الجديدة، 21/1/2006.

[13] الحياة الجديدة، 24/1/2006.


الصفحة الرئيسية | مجلة المركز | نشرة الأحداث الفلسطينية | إصدارات أخرى | الاتصال بنا


إذا كان لديك استفسار أو سؤال اتصل بـ [البريد الإلكتروني الخاص بمركز التخطيط الفلسطيني].
التحديث الأخير:
03/05/2006 12:42 م